فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولكن فِعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يحتمل العموم في الأموال المعطاة ويحتمل الخصوص لأمور: أحدها: أنّ للنبيء صلى الله عليه وسلم في حياته سهمًا من الخمس فيحتمل أنّه أعطى بني المطلب عطاء من سهمه الخاصّ، جزاء لهم على وفائهم له في الجاهلية، وانتصارهم له، وتلك منقبة شريفة أيّدوا بها دعوة الدين وهم مشركون، فلم يضعها الله لهم، وأمر رسوله بمواساتهم، وذلك لا يكسبهم حقًّا مستمرًا.
ثانيها: أنّ الحقوق الشرعية تستند للأوصاف المنضبطة، فالقربى هي النسب، ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهاشم، وأمّا بنو المطلب فهم وبنو عبد شمس وبنو نوفل في رتبة واحدة من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ آباءَهم هم أبناء عبد مناف، وأخوة لهاشم، فالذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهروه في الجاهلية كانت لهم المزية، وهم الذين أعطى رسولُ الله أعيانهم ولم يثبت أنّه أعطى من نشأ بعدهم من أبنائهم الذين لم يحضروا ذلك النصر، فمن نشأ بعدهم في الإسلام يساوون أبناء نوفل وأبناء عبد شمس، فلا يكون في عطائه ذلك دليل على تأويل ذي القربى في الآية ببني هاشم وبني المطلب.
أمّا قول أبي حنيفة فقال الجصاص في أحكام القرآن: قال أبو حنيفة في الجامع الصغير: يقسم الخمس على ثلاثة أسهم (أي ولم يتعرّض لسهم ذوي القربى) وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال: خمس الله والرسول واحدٌ، وخمسٌ لذي القربى فلكلّ صنف سمّاه الله تعالى في هذه الآية خمُس الخمس قال: وإنّ الخلفاء الأربعة متّفقون على أنّ ذا القربى لا يستحقّ إلاّ بالفقر.
قال: وقد اختلف في ذوي القربى من هم؟ فقال أصحابنا: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين حَرّم عليهم الصدقة وهم (آل علي والعباس وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث بن عبد المطلب) وقال آخرون: بنو المطلب داخلون فيهم.
وقال أصبغ من المالكية: ذوو القربى هم عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقربون الذين أمره الله بإنذارهم في قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] وهم آل قُصي.
وعنه أنّهم آل غالب بن فهر، أي قريش، ونسب هذا إلى بعض السلف وأخرَج أبو حنيفة من القربى بني أبي لهب قال: لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا قرابة بيني وبين أبي لهب فإنّه آثر علينا الأفجرين». رواه الحنفية في كتاب الزكاة، ولا يعرف لهذا الحديث سند، وبعد فلا دلالة فيه، لأنّ ذلك خاصّ بأبي لهب فلا يشمل أبناءه في الإسلام.
ذكر ابن حجر في الإصابة أنّ محمد بن إسحاق، وغيره.
روى عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قدمت دُرة بنت أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّ الناس يصيحون بي ويقولون: إنّي بنت حطَب النار، فقام رسول الله؛ وهو مغضَب شديدَ الغضب، فقال: «ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي ألاَ ومن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله».
فوصف درّة بأنّها من نسبه.
والجمهور على أنّ ذوي القربى يستحقّون دون اشتراط الفقر، لأنّ ظاهر الآية أنّ وصف قربى النبي صلى الله عليه وسلم هو سبب ثبوت الحقّ لهم في خمس المغنم دون تقييد بوصف فقرهم، وهذا قول جمهور العلماء.
وقال أبو حنيفة: لا يعطَون إلاّ بوصف الفقر وروي عن عمر بن عبد العزيز.
ففائدة تعيين خمس الخمس لهم أنّ لا يحاصهم فيه مَن عَداهم من الفقراء، هذا هو المشهور عن أبي حنيفة، وبعض الحنفية يحكي عن أبي يوسف موافقةَ الجمهور في عدم اشتراط الفقر فيهم.
وقد جعل الله الخمس لخمسةِ مصارف ولم يعيّن مقدار ما لكلّ مصرف منه، ولا شكّ أنّ الله أراد ذلك؛ ليكون صرفه لمصارفه هذه موكولًا إلى اجتهاد رسوله صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده، فيقسم بحسب الحاجات والمصالح، فيأخذ كلّ مصرف منه ما يفي بحاجته على وجه لا ضرّ معه على أهل المصرف الآخر، وهذا قول مالك في قسمة الخمس، وهو أصح الأقوال، إذ ليس في الآية تعرّض لمقدار القسمة، ولم يَرد في السنة ما يصحّ التمسك به لذلك، فوجب أن يناط بالحاجة، وبتقديم الأحوج والأهمّ عند التضايق، والأمر فيه موكول إلى اجتهاد الإمام، وقد قال عمر: فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله.
وقال الشافعي: يقسم لكلّ مصرف الخمس من الخمس، لأنها خمسة مصارف، فجعلها متساوية، لأنَّ التساوي هو الأصل في الشركة المجملة ولم يلتفت إلى دليل المصلحة المقتضية للترجيح وإذ قد جَعل ما لله ولرسوله خمسًا واحدًا تبعًا للجمهور فقد جعله بعد رسول الله لمصالح المسلمين.
وقال أبو حنيفة: ارتفع سهم رسول الله وسهم قرابته بوفاته، وبقي الخمس لليتامى والمساكين وابن السبيل، لأنّ رسول الله إنّما أخذ سهمًا في المغنم لأنّه رسول الله، لا لأنّه إمام، فلذلك لا يخلفه فيه غيره.
وعند الجمهور أنّ سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلفه فيه الإمام، يبدأ بنفقته ونفقة عياله بلا تقدير، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.
{واليتامى والمساكين وابن السبيل} تقدّم تفسير معانيها عند قوله تعالى: {وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} [البقرة: 177] وعند قوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانا} إلى قوله: {وابن السبيل} [النساء: 36].
واليتامى وابن السبيل لا يعطون إلاّ إذا كانوا فقراء ففائدة تعيين خمس الخمس لكلّ صنف من هؤلاء أن لا يحاصهم فيه غيرهم من الفقراء والشأن، في اليتامى في الغالب أن لا تكون لهم سعة في المكاسب فهم مظنّة الحاجّة، ولكنّها دون الفقر فجُعل لهم حقّ في المغنم توفيرًا عليهم في إقامة شئونهم، فهم من الحاجة المالية أحسن حالًا من المساكين، وهم من حالة المقدرة أضعف حالًا منهم، فلو كانوا أغنياء بأموال تركها لهم آباؤهم فلا يعطون من الخمس شيئًا.
والمساكينُ الفقراء الشديدو الفقرِ جعل الله لهم خمس الخمس كما جعل لهم حقًّا في الزكاة، ولم يجعَل للفقراء حقًّا في الخمس كما لم يجعل لليتامى حقًّا في الزكاة.
وابنُ السبيل أيضًا في حاجة إلى الإعانة على البلاغ وتسديد شئونه، فهو مظنّة الحاجة، فلو كان ابن السبيل ذا وفْر وغنىً لم يعط من الخمس، ولذلك لم يشترط مالك وبعض الفقهاء في اليتامى وأبناءِ السبيل الفقر، بل مُطلقَ الحاجة.
واشترط أبو حنيفة الفقر في ذوي القربى واليتامى وأبناء السبيل، وجعل ذكرِهم دون الاكتفاء بالمساكين؛ لتقرير استحقاقهم.
وقوله: {إن كنتم آمنتم بالله} شرط يتعلق بما دلّ عليه قوله: {واعلموا أنما غنمتم} لأن الأمر بالعلم لما كان المقصود به العملَ بالمعلوم والأمتثالَ لمقتضاه كما تقدّم، صحّ تعلّق الشرط به، فيكون قوله: {واعلموا} دليلًا على الجواب أوْ هو الجوابَ مقدّمًا على شرطه، والتقدير: إنْ كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنّ ما غنمتم إلخ.
واعمَلوا بما علمتم فاقطعوا أطماعكم في ذلك الخمس واقتنعوا بالأخماس الأربعة، لأنّ الذي يتوقّف على تحقّق الإيمان بالله وآياته هو العِلم بأنّه حكم الله مع العمل المترتّب على ذلك العلم.
مطلق العلم بأنّ الرسول قال ذلك.
والشرط هنا محقق الوقوع إذ لا شك في أنّ المخاطبين مؤمنون بالله والمقصود منه تحقّق المشروط، وهو مضمون جملة {واعلموا أن ما غنمتم من شيء} إلى آخرها.
وجيء في الشرط بحرف (إنْ) التي شأن شرطها أن يكون مشكوكًا في وقوعه زيادة في حثّهم على الطاعة حيث يفرض حالهم في صورة المشكوك في حصول شرطه إلهابًا لهم؛ ليبعثهم على إظهار تحقّق الشرط فيهم، فالمعنى: أنكم آمنتم بالله والإيمانُ يرشد إلى اليقين بتمام العلم والقدرة له وآمنتم بما أنزل الله على عبده يومَ بدر حين فرق الله بين الحقّ والباطل فرأيتم ذلك رأي العين وارتقى إيمانكم من مرتبة حقّ اليقين إلى مرتبة عين اليقين فعلمتم أنّ الله أعلم بنفعكم من أنفسكم إذ يعدكم إحدى الطائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم، فكان ما دفعكم الله إليه أحفظ لمصلحتكم وأشدّ تثبيتًا لقوّة دينكم.
فمَن رأوا ذلك وتحقّقوه فهم أحرياء بأن يعلموا أنّ ما شرع الله لهم من قسمة الغنائم هو المصلحة، ولم يعبأوا بما يدخل عليهم من نقص في حظوظهم العاجلة، علمًا بأنّ وراء ذلك مصالحَ جمة آجلة في الدنيا والآخرة.
وقوله: {وما أنزلنا} عطف على اسم الجلالة، والمعنى: وآمنتم بما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان، وهذا تخلّص للتذكير بما حصل لهم من النصر يوم بدر، والإيمانُ به يجوز أن يكون الاعتقاد الجازم بحصوله، ويجوز أن يكون العلم به، فيكون على الوجه الثاني من استعمال المشترك في معنييه، أو من عموم المشترك.
وتخصيص {ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان} بالذكر من بين جملة المعلومات الراجعة للاعتقاد، لأن لذلك المُنْزَل مزيد تعلق بما أمروا به من العمل المعبر عنه بالأمر بالعلم في قوله تعالى: {واعلموا}.
والإنزالُ: هو إيصال شيء من علُوّ إلى سُفل، وأطلق هنا على إبلاغ أمر من الله، ومن النعم الإلهية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فيجوز أن يكون هذا المُنزل من قبيل الوحي، أي والوحي الذي أنزلناه على عبدنا يوم بَدر، لكنه الوحي المتضمّن شيئًا يؤمنون به مثل قوله: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} [الأنفال: 7].
ويجوز أن يكون من قبيل خوارق العادات، والألطاف العجيبة، مثل إنزال الملائكة للنصر، وإنزال المطر عند حاجة المسلمين إليه، لتعبيد الطريق، وتثبيتتِ الأقدام، والاستقاء.
وإطلاق الإنزال على حصوله استعارة تشبيهًا له بالواصل إليهم من علوّ تشريفًا له كقوله تعالى: {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [الفتح: 26].
والتطهر ولا مانع من إرادة الجميع لأنّ غرض ذلك واحد، وكذلك ما هو من معناه ممّا نعلمه أو لما علمناه.
و{يوم الفرقان} هو يوم بدر، وهو اليوم السابع عشر من رمضان سنة اثنتين سمّي يوم الفرقان؛ لأنّ الفرقان الفرق بين الحقّ والباطل كما تقدّم آنفًا في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا} [الأنفال: 29] وقد كان يوم بدر فارقًا بين الحقّ والباطل؛ لأنّه أول يوم ظهر فيه نصر المسلمين الضعفاء على المشركين الأقوياء، وهو نصر المحقّين الأذلّة على الأعزّة المبطلين، وكفى بذلك فرقانًا وتمييزًا بين من هم على الحقّ، ومن هم على الباطل.
فإضافة {يوم} إلى {الفرقان} إضافة تنويه به وتشريف، وقوله: {يوم التقى الجمعان} بدل من {يوم الفرقان} فإضافة {يوم} إلى جملة: {التقى الجمعان} للتذكير بذلك الإلتقاء العجيب الذي كان فيه نصرهم على عدوّهم.
والتعريف في {الجمعان} للعهد.
وهما جمع المسلمين وجمع المشركين.
وقوله: {والله على كل شيء قدير} اعتراض بتذييل الآيات السابقة وهو متعلّق ببعض جملة الشرط في قوله: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} فإنّ ذلك دليل على أنّه لا يتعاصى على قدرته شيء، فإنّ ما أسداه إليكم يوم بدر لم يكن جاريًا على متعارف الأسباب المعتادة، فقدرة الله قلبت الأحوال وأنشأت الأشياءَ من غير مجاريها ولا يبعد أن يكون من سبب تسمية ذلك اليوم {يوم الفرقان} أنّه أضيف إلى الفرقان الذي هو لَقب القرآن، فإنّ المشهور أنّ ابتداء نزول القرآن كان يوم سبعة عشر من رمضان، فيكون من استعمال المشترك في معنييه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}.
ظاهر هذه الآية الكريمة أن كل شيء حواه المسلمون من أموال الكفار فإنه يخمس حسبما نص عليه في الآية، سواء أوجفوا عليه الخيل والركاب أولا، ولكنه تعالى بيّن في سورة الحشر أن ما أفاء على رسوله من غير إيجاف المسلمين عليه الخيل والركاب، أنه لا يخمس ومصارفه التي بين أنه يصرف فيها كمصارف خمس الغنيمة المذكورة هنا، وذلك في قوله تعالى في فيء بني النضير: {وَمَا أَفَاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} [الحشر: 6] الآية، ثم بين شمول الحكم لكل ما أفاء الله على رسوله من جميع القرى بقوله: {مَّا أَفَاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر: 7] الآية.
اعلم أولًا أن أكثر العلماء: فرقوا بين الفيء والغنيمة فقالوا: الفيء: هو ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر، كفيء بني النضير الذين نزلوا على حكم النَّبي صلى الله عليه وسلم ومكنوه من أنفسهم وأموالهم يفعل فيها ما يشاء لشدة الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم، ورضي لهم صلى الله عليه وسلم أن يرتحلو بما يحملون على الإبل غير السلاح، وأما الغنيمة: فهي ما انتزعه المسلمون من الكفار بالغلبة والقهر، وهذا التفريق يفهم من قوله: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41] الآية مع قوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} فإن قوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} الآية: ظاهر في أنه يراد به بيان الفرق بين ما أوجفوا عليه وما لم يوجفوا عليه كما ترى، والفرق المذكور بين الغنيمة والفيء عقده الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي بقوله في غزوة بني النضير:
وفيئهم والفيء في الأنفال ** ما لم يكن أخذ عن قتال

أما الغنيمة فعن زحاف ** والأخذ عنوة لدى الزحاف

لخير مرسل إلخ.
وقوله: وفيئهم مبتدأ خبره لخير مرسل، وقوله: والفيء في الأنفال إلخ كلام اعتراضي بين المبتدأ والخبر بين به الفرق بين الغنيمة والفيء، وعلى هذا القول فلا إشكال في الآيات، لأن آية: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ذكر فيها حكم الغنيمة، وآية: {مَّا أَفَاءَ الله على رَسُولِهِ} [الحشر: 7] ذكر فيها حكم الفيء وأشير لوجه الفرق بين المسالتين بقوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} [الحشر: 6] أي فكيف يكون غنيمة لكم، وأنتم لم تتعبوا فيه ولم تنتزعوه بالقوة من مالكيه.
وقال بعض العلماء: إن الغنيمة والفيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان غنيمة وفيء، وهذا قول قتادة رحمه الله وهو المعروف في اللغة، فالعرب تطلق اسم الفيء على الغنيمة، ومنه قول مهلهل بن ربيعة التغلبي:
فلا وأبي جليلة ما أفأنا ** من النعم المؤبل من بعير

ولكنا نهكنا القوم ضربًا ** على الأثباج منهم والنحور

يعني أنهم لم يشتغلوا بسوق الغنائم ولكن بقتل الرجال فقوله: أفأنا: يعني غنمنا، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ الله عَلَيْك} [الأحزاب: 50]، لأن ظاهر هذه الآية الكريمة شمول ذلك لجميع المسبيات ولو كن منتزعات قهرًا، ولكن الاصطلاح المشهور عند العلماء هو ما قدمنا من الفرق بينهما، وتدل له آية الحشر المتقدمة. وعلى قول قتادة فآية الحشر مشكلة مع آية الأنفال هذه، ولأجل ذلك الإشكال قال قتادة، رحمه الله تعالى: إن آية: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} الآية، ناسخة لآية: {وَمَا أَفَاءَ الله على رَسُولِهِ} [الحشر: 6] الآية، وهذا القول الذي ذهب إليه- رحمه الله- باطل بلا شك، ولم يلجئ قتادة- رحمه الله- إلى هذا القول إلا دعواه اتحاد الفيء والغنيمة، فلو فرق بينهما كما فعل غيره لعلم أن آية الأنفال في الغنيمة، وآية الحشر في الفيء، ولا إشكال. ووجه بطلان القول المذكور: أن آية: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ} الآية نزلت بعد وقعة بدر، قيل قسم غنيمة بدل بدليل حديث علي الثابت في صحيح مسلم، الدال على أن غنائم بدر خمست، وآية التخميس التي شرعه الله بها هي هذه، وأما آية الحشر فهي نازلة في غزوة بني النضير بإطباق العلماء، وغزوة بني النضير بعد غزوة بدر بإجماع المسلمين، ولا منازعة فيه البتة، فظهر من هذا عدم صحة قول قتادة رحمه الله تعالى، وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآيات، وكذلك على قول من يرى أمر الغنائم والفيء راجعًا إلى نظر الإمام، فلا منافاة على قوله بين آية الحشر، وآية التخميس إذا رآه الإمام، والله أعلم.